أرشيف

الجامعات اليمنية ـ من صروح للعلم إلى ثكنات وساحات مواجهة

وسط إصرار السلطة ورفض المعارضة وانقسام في الأوساط الطلابية فشلت جامعة صنعاء وجامعات أخرى في معاودة التدريس في الفصل الدراسي الحالي بعد ضياع فصل سابق. انفجار الأوضاع العسكرية جعل من الجامعة ثكنة عسكرية وساحة للقتال.

 

كان من المقرر أن يبدأ العام الجامعي الجديد في اليمن في17 أيلول/ سبتمبر الجاري بحسب الموعد الذي حدده وزير التعليم العالي والبحث العلمي اليمني، د.صالح باصرة، مقدما معه بشرى سارة للطلاب بأنه سيكون من ثلاثة فصول بحيث بكون الفصل الأول تعويضا للفصل الثاني من العام الماضي، الذي لم يتمكن الطلاب من دراسته بسبب الاحتجاجات الطلابية المطالبة بـ”إسقاط” نظام الرئيس علي عبد الله صالح.

  

انقسام الموقف الطلابي

لكن طلاب جامعة صنعاء كان لهم موقف أخر. فقبل أن تحل الثامنة من صباح ذلك اليوم كان المئات منهم قد توافدوا إلى كلياتهم مصطحبين معهم لافتات كتبوا عليها شعارات منددة باستمرار نظام صالح وعائلته في حكم اليمن، وترفض الدراسة قبل أن يرحل النظام ويقدم رموزه للمحاكمة العادلة، وفيما كانت جموع الطلاب تعتصم أمام الكليات التي أحكمت إغلاق أبوابها بسلاسل الحديد والأقفال وكتبت عليها “مغلق من قبل الطلاب”، كانت هناك مجموعة صغيرة من الطلاب تتنقل من كلية إلى أخرى تطالب بالابتعاد عن السياسية والعودة للدراسة.

ولم تخلو تلك التحركات من مناوشات بسيطة، لكنها لم تصل حد الاشتباك، الأمر الذي تخوف منه د.عبد الله ألغيثي، العميد السابق لكلية التربية بجامعة صنعاء، المُقال على خلفية تأييده للثورة السلمية، حين حمل وزير التعليم العالي، ورئيس جامعة صنعاء “نتائج ما قد يحدث بين الطلاب من مواجهات”.

النقابة واتحاد الطلاب: تقاطع المواقف

كان موقف الرافضين لانتظام الدراسة منسجما مع موقفي كل من نقابة أعضاء هيئة التدريس، وإتحاد الطلاب بجامعة صنعاء، اللذان كانا قد رفضا في بيانات صادرة عنهما انتظام العام الدراسي، قبل أن تحل المشكلات التي كانت السبب في توقف الدراسة وإغلاق الجامعة خلال الفصل الجامعي الثاني من العام الماضي.

وكانت النقابة قد تعهدت بمواصلة الإضراب حتى تحقيق الوعود التي قطعتها إدارة الجامعة على نفسها ومنها انتخاب رئيس الجامعة وتوزيع الأراضي السكنية لأعضاء هيئة التدريس، وهو مشروع متعثر منذ سنوات طويلة وتماطل إدارة الجامعة في تنفيذه وفق اتهامات أعضاء هيئة التدريس لها.

أما اتحاد الطلاب قد تعهد بمواصلة الإضراب “حتى إسقاط نظام الرئيس صالح”. هذه الفعاليات  وكذلك اندلاع المواجهات المسلحة في العاصمة اليمنية وبالذات في محيط وداخل الجامعة أدى إلى تأجيل الدراسة في الجامعة مرة أخرى، بعد أن كانت قد توقفت منذ فبراير/ شباط الماضي.

هذا التأجيل سيضع السلطات اليمنية في وضع حرج بعد أن كانت تعول على انتظام الدراسة في الجامعات والمدارس للتأكيد على عودة الحياة إلى طبيعتها  وأن الأمور في البلاد تسير على ما يرام، كما أن من شأن انتظام الدراسة أن يخفف من الضغوط الشعبية التي يمثل الشباب محورها.  

لماذا أصرت الحكومة ورفضت المعارضة؟!

في اليوم الأول اتضح أن العديد من المؤسسات التعليمية، قد غدت أقرب إلى الثكنات العسكرية منها إلى المؤسسات التعليمية، ففي مساء اليوم الأول نشرت مصادر صحفية استنادا إلى مصادر في هيئة تدريس جامعة صنعاء، خبرا يفيد بتوصل كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ورئيس جامعة صنعاء إلى اتفاق مع قائد الفرقة الأولى مدرع، اللواء علي محسن الأحمر الذي أنشق عن الجيش وأعلن تأييده لثورة الشباب، يقضي بإخلاء المنشآت التعليمية وصالات الدراسة في جامعة صنعاء، وتسهيل دخول الطلاب إلى كليات الجامعة للدراسة، مع بقائها تحت سيطرة الفرقة.

غير أن الوزير ظهر صباح اليوم التالي في مسيرة طلابية لمناصري الرئيس، وهدد بأنه في حالة استمرار عرقلة الدراسة بجامعة صنعاء، سيتم بإغلاق بعض الجامعات الخاصة التي يرأسها دكاترة أو يملكها مؤيدون للثورة السلمية مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا، الجامعة اليمنية، وجامعة الإيمان. وأتهم “مجاميع تتبع حزب التجمع اليمني للإصلاح، قامت بمحاولة عرقلة سير العملية التعليمية في جامعة صنعاء في حين تنتظم الدراسة في جامعاتهم الخاصة”. وقال بأن الوزارة ” لن تسمح بتعطيل الدراسة في جامعة صنعاء ” وعبر الوزير عن أسفه لـ ” عدم إيفاء الفرقة الأولى مدرع بالتزاماتها بحسب الاتفاق”ولكنه لم ينس التذكير” باتخاذ الإجراءات القانونية ضد عمداء الكليات ونوابهم ورؤساء الأقسام في حالة تقصيرهم في أعمالهم”.

تطبيع الأوضاع من خلال الجامعات

ومن المؤكد أن تعطل العملية التعليمية لم يكن مقتصرا على جامعة صنعاء فقط، إذا كدت بعض المصادر الإعلامية والمحلية فشلها أيضا بجامعة ذمار التي بدت بحسب تلك المصادر في أول يوم لاستئناف الدراسة الجامعية خالية من الطلاب والمدرسين، إلا من حضور لافت للدبابات والمسلحين حولها إلى ثكنة عسكرية. كما كانت جامعة تعز منذ الفصل الدراسي السابق من العام الماضي قد تحولت هي الأخرى إلى ثكنة عسكرية حين استباحت حرمتها عربات ومجنزرات الحرس الجمهوري، الذي يقوده العقيد أحمد نجل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وقامت باعتقال رئيسها أ.د.محمد عبد الله الصوفي، من مكتبه على خلفية إصداره قرار بإيقاف في الجامعة جراء الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المحافظة، إلا أنه تم الإفراج عنه لاحقاً.

ويرى مراقبون أن إصرار الحكومة على انتظام العملية التعليمية لم يكن هدفه الحرص على استمرار العملية التعليمية، بقدر حرصها على تحقيق أكثر من هدف بضربة واحدة، منها كسر إضراب مدرسي الجامعة دون تحقيق مطالبهم، وخلخلة الاعتصام الشبابي في ساحة الجامعة، وإظهار أن الوضع في اليمن طبيعي طالما والعملية التعليمية لم تتأثر. ما الهدف الأخير فيلخصه لـ دويتشه فيله، يحيى أبو إصبع الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني بقوله، مازجاً بين الجد والهزل، ” لجأت قيادة الحزب الحاكم للتنجيم لمعرفة إن كان الرئيس سيعود؟ فقيل لها إن انتظمت الدراسة الجامعية فسيعود وسيحكم وإن فشلت فلن يعود ولن يحكم”.

دويتشيه فيله – سعيد الصوفي – اليمن

مراجعة: عبده جميل المخلافي

زر الذهاب إلى الأعلى